نداء إلى صناع القرار: لنجعل العربية ركيزة أساسية في المنتجات الرقمية
إلى السادة الأفاضل من صناع القرار في مؤسساتنا الحكومية وشركاتنا الكبرى، سلامٌ كريمٌ وبعد.
لقد أضحى العالم اليوم كقريةٍ صغيرةٍ تتسارع فيها خُطى التحول الرقمي، وأمست الأدوات والمنصات الرقمية كالهواء الذي نتنفسه في حياتنا اليومية وعملياتنا المؤسسية. ولكنْ وا أسفاه! إن ملايين الناطقين بلغة الضاد يقفون على أعتاب هذا العالم الجديد كالغرباء، يكابدون الإحباط يوماً بعد يوم، لا لشيءٍ إلا لأن هذه الأدوات قد أدارت ظهرها للغتنا العربية وخصائصها الفريدة، وعلى رأسها خاصية الكتابة من اليمين إلى اليسار.
ليس الأمر مجرد زلةٍ تقنيةٍ عابرةٍ، بل هو كالسور العالي الذي يحول بيننا وبين الاستفادة من هذه المنجزات الرقمية. إنه يقيد إنتاجيتنا، ويعرقل تواصلنا، ويزرع في نفوس مستخدمينا وموظفينا ومواطنينا شعوراً مريراً بالغربة في عالمٍ رقميٍ لم يُصمم ليحتضنهم.
التحدي: لماذا الدعم الحالي غير كافٍ؟
ليست القضية مجرد ترجمة القوائم والأزرار كما يظن البعض، فالأمر أعمق من ذلك وأشد تعقيداً. إن التحدي الحقيقي يكمن في ما يلي:
- النص المختلط (ثنائي الاتجاه): ألا ترى عجباً حين تمتزج كلمات الإنجليزية بالعربية في سطرٍ واحد، فيتحول النص إلى متاهةٍ من الحروف المتناثرة، وترقص علامات الترقيم والأرقام رقصةً عجيبةً لا يعرف القارئ لها معنى! هذه المعاناة يكابدها المستخدم العربي في كل لحظةٍ يحاول فيها التواصل أو كتابة المستندات.
- تنسيق الواجهة والاتجاه: أليس من الغريب أن تفرض على القارئ العربي أن يبدأ من اليسار وهو الذي جُبلت عيناه على البدء من اليمين؟ إنه كمن يسير في طريقٍ معاكسٍ للسير، يجاهد ليجد طريقه بين صفحاتٍ وقوائم وأزرار لم تُصمم لتناسب طبيعة لغته.
- الأيقونات والعناصر الاتجاهية: أسهم تشير إلى اليسار للرجوع، وأشرطة تقدم تسير من اليسار لليمين، وفقاعات دردشة تنظر في الاتجاه الخاطئ... أليس هذا كمن يقرأ الخريطة مقلوبةً ثم يتساءل لماذا ضل الطريق؟
- الحقول والنماذج: وماذا عن تلك الاستمارات التي تضع العنوان بعد الحقل، والشرح بعد الزر؟ إنها كمن يقدم لك الحذاء قبل الجورب، والخاتم قبل القفاز!
ليست هذه المشاكل من نسج الخيال، ولا هي من بنات الأفكار، بل هي واقعٌ مريرٌ يعيشه المستخدم العربي كل يومٍ مع أشهر المنتجات الرقمية وأكثرها انتشاراً في العالم.
توضيح المشكلة: النص المختلط (Bidi)
يظهر في الصورة أدناه مثال على مشكلة النص المختلط (Bidi). يحاول المستخدم كتابة النص التالي: جمال اللغة يكمن في تفاصيلها، والـRTL ليس ترفا، بل ضرورة والسلام PEACE ولكن كما هو موضح، تحدث مشاكل في ترتيب النصوص واتجاه المؤشر، مما يجعل الكتابة تجربة محبطة.

المصدر: Microsoft Teams

واتساب فعلها بشكل صحيح! ليست صعبة إذا!
دعم الأرقام العربية الشرقية
نقطة أخرى لا تقل أهمية عن دعم RTL هي دعم الأرقام العربية الشرقية (الهندية) مثل: ١٢٣٤٥. هذه مشكلة كبيرة تواجه المستخدمين العرب، حيث أن معظم التطبيقات لا تدعمها بشكل صحيح، بما في ذلك بعض التطبيقات الحكومية مثل أبشر.
على سبيل المثال، عند كتابة الأرقام في بعض التطبيقات، يتم منع الكتابة بالأرقام العربية الشرقية (١٢٣٤٥) في حقول الإدخال، مما يسبب إرباكاً للمستخدمين.
مثال:
الأرقام العربية الغربية: 12345
الأرقام العربية الشرقية: ١٢٣٤٥
إن دعم الأرقام العربية الشرقية ليس مجرد تحسين بصري، بل هو جزء أساسي من تجربة المستخدم العربي ويجب أن يكون معياراً في جميع التطبيقات التي تستهدف المستخدمين الناطقين بالعربية.
الحل: بند إلزامي في عقود المشتريات
أما الحل، فليس بالأمر العسير، ولا هو بالمستحيل المنيع. إنه يكمن في أن تتكاتف مؤسساتنا الكبرى، وتتوحد هيئاتنا الحكومية وشركاتنا العملاقة، لتضع بنداً إلزامياً غير قابل للتفاوض في كل عقدٍ ومناقصةٍ وشراءٍ للمنتجات والأنظمة الرقمية، يقضي بدعم اللغة العربية دعماً كاملاً لا نقص فيه ولا عوج.
فإذا ما أصبح دعم لغة الضاد شرطاً لازماً لإتمام الصفقة وقبول المنتج وسداد المستحقات، لرأيت العجب العجاب! ستهرع الشركات العالمية إلى استثمار الوقت والجهد والمال لدعم لغتنا منذ اللحظات الأولى لتصميم منتجاتها، لا أن تتعامل معها كملحقٍ ثانويٍ أو إضافةٍ لاحقةٍ قد تأتي وقد لا تأتي.
إن هذا النهج الجماعي سيخلق قوةً لا يُستهان بها في السوق، وسيجعل دعم العربية ميزةً تنافسيةً لا غنى عنها لكل من يرغب في الدخول إلى أسواقنا الواسعة أو التوسع فيها. وبذلك نكون قد حولنا ما كان يُعد ترفاً إلى ضرورةٍ لا محيد عنها، ومن ميزةٍ استثنائيةٍ إلى معيارٍ أساسيٍ في كل منتجٍ رقميٍ يتطلع إلى العالمية.
متابعة حالة دعم المنتجات للكتابة والقراءة من اليمين لليسار (RTL)
الجدول أدناه يعرض قائمة ببعض المنتجات الرقمية الشائعة وحالتها الحالية فيما يتعلق بدعم القراءة والكتابة من اليمين لليسار (RTL). يهدف هذا الجدول إلى تسليط الضوء على الجوانب التي تحتاج إلى تحسين وسيتم تحديثه بشكل دوري.
اسم المنتج | الفئة | دعم RTL | ملاحظات / مشاكل شائعة | آخر تحديث |
---|---|---|---|---|
SAP ERP | نظام تخطيط موارد المؤسسات | ضعيف | دعم جيد للعرض باللغة العربية، لكن بعض المشاكل في إدخال البيانات المختلطة وتقارير BI. واجهة المستخدم تدعم RTL بشكل عام. | أبريل 2025 |
Oracle ERP Cloud | نظام تخطيط موارد سحابي | ضعيف | دعم متوسط للغة العربية، مشاكل في تنسيق التقارير المالية والمستندات ذات النصوص المختلطة. بعض الوحدات لا تدعم RTL بشكل كامل. | أبريل 2025 |
Microsoft Dynamics 365 | نظام إدارة علاقات العملاء وموارد المؤسسات | ضعيف | دعم جيد نسبياً للغة العربية، لكن توجد مشاكل في لوحات المعلومات والتقارير المخصصة. بعض المشاكل في إدخال البيانات المختلطة. | أبريل 2025 |
Odoo ERP | نظام تخطيط موارد مفتوح المصدر | ضعيف | دعم محدود للغة العربية، مشاكل في واجهة المستخدم وإدخال البيانات. تحديات كبيرة في التقارير والمستندات ذات النصوص المختلطة. | أبريل 2025 |
واقع دعم RTL مقابل إمكانية الوصول: المفارقة الرقمية الكبرى
يا لها من مفارقة في عالم الشمول الرقمي المعاصر! تتباهى الشركات بشاراتها الخاصة بإمكانية الوصول، متفاخرة بتوافقها مع قارئات الشاشة والتنقل باستخدام لوحة المفاتيح. تعلن البيانات الصحفية بكل فخر كيف أن تحديثها الأخير يدعم المستخدمين من ذوي الإعاقات المختلفة - وهي جهود جديرة بالثناء تستحق التقدير حقًا.
ومع ذلك، فإن نفس الشركات التي تطبق بدقة إرشادات WCAG حتى أدق التفاصيل تبدو وكأنها تصاب بفقدان ذاكرة انتقائي عندما يتعلق الأمر بدعم RTL. يبدو أن 1.8 مليار شخص يستخدمون لغات RTL ليسوا جديرين بنفس الاهتمام.
"نحن ملتزمون بالشمول الرقمي!" يعلنون، بينما يكافح مستخدمو العربية والعبرية مع واجهات معكوسة، ونصوص مختلطة، وحركات مؤشر تشبه الألعاب الأولمبية. كأن دعم RTL هو ميزة غريبة وتجريبية - وليس جانبًا أساسيًا من التواصل البشري موجود منذ آلاف السنين.
النمط مؤلم ومتوقع: وثائق مفصلة حول ميزات إمكانية الوصول، وفرق مخصصة لضمان الامتثال لأحدث المعايير، ومراجعات منتظمة... ثم رد مستخف "سننظر في دعم RTL في تحديث مستقبلي" الذي لا يبدو أنه سيتحقق أبدًا.
ربما نحتاج إلى إعادة تسمية دعم RTL كميزة إمكانية وصول؟ ربما حينها سيحصل على الاهتمام الذي يستحقه، بدلاً من إبقائه دائمًا في فئة "من الجيد أن يكون موجودًا" بينما يستمر مليارات المستخدمين في التنقل عبر منتجات رقمية تبدو وكأنها صُممت بالمقلوب.
خاتمة: نحو مستقبل رقمي شامل بالعربية
وبعدُ، فإن ما ندعو إليه من فرض متطلبات التعريب الشامل ودعم الكتابة من اليمين لليسار في عقود المشتريات ليس مجرد إجراءٍ شكليٍ أو ترفٍ زائدٍ. بل هو استثمارٌ حقيقيٌ في كفاءة مؤسساتنا، وفي تجربة مستخدمينا، وفي تمكين موظفينا ومواطنينا، وفي إعلاء شأن لغتنا العربية في الفضاء الرقمي العالمي.
لقد أصبحت الأدوات التقنية اللازمة لدعم لغتنا متوفرةً وميسورةً كما لم تكن من قبل، وما ينقصنا إلا العزيمة الصادقة والإرادة المخلصة لنتجاوز هذه العقبات ونرتقي بلغتنا إلى المكانة التي تستحقها في عالم التقنية والرقمنة.
فيا صناع القرار، ويا أرباب السلطة والنفوذ، ندعوكم بكل ما أوتينا من قوة إلى تبني هذه المبادرة النبيلة، وجعل دعم لغتنا العربية ركناً أساسياً في سياساتكم وقراراتكم. فمعاً، وبالعزم الصادق، نستطيع أن نصنع فارقاً حقيقياً ونبني عالماً رقمياً يحتضن الجميع، ويتحدث لغتنا بطلاقةٍ وسلاسةٍ وفخر.
فلنعمل معاً نحو عالمٍ رقميٍ يليق بلغة الضاد. فكروا بـ RTL!
التعليقات